الأحد، ديسمبر 02، 2007

حقيقة عذاب القبر

إن عذاب القبر هو إحدى الأساطير و الخرافات التي بدأت ككرة ثلج كبرت و كبرت حتى ظنها السذج حقيقة بالرغم من أنها كما ذكرت خرافة لا أكثر و لا أقل و هذا من واقع القرآن الكريم و السنة الشريفة. أما الأحاديث التي تعتقدون بها فقد ثبت باليقين نفيها و الطعن بصحتها خاصة و أنها تتعارض مع القرآن الكريم و المنطق و العقل.

دعني أطرح لك بعض النقاط علها توقظك من سذاجتك و تعيد لك شيئا من عقلك... للأسف فإن الدين عندما يتملك من الإنسان يصبح قابلا لتصديق أي خرافة لأنها تتفق مع فكرة الدين نفسه. دعني أشرح لك كيف:

الروح

يقول تعالى في قرآنه الكريم { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } غافر (11) جاء في التفاسي المراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفا لا حياة لهم في أصلاب آبائهم ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا و المراد بالإحيائتين أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ثم أحياهم عند البعث. لو كانت مريم عليها السلام حين شعرت بالحرج من قومها لولادتها عيسى عليه السلام دون أب لما قالت { قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا } مريم (23) فالميت يتحول جسده إلى التراب و التراب لا يحس بعذاب و لا بغيره لذلك ترى الكافر يوم القيامة يتمنى لو أنه لم يخلق أو أنه كان ترابا. قال تعالى في سورة النبأ { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [color=red]وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا[/color] } و الميت لا يحس بألم و لا بغيره فهو كالجماد لا يسمع و لا يرى و لا يعقل و لا ينطق و تنتفي عنه جميع صفات الأحياء { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } و الميت المدة الزمنية بين موته و صحوه بالبعث لا تعدل عنده أكثر من ليلة أو بعض ليلة أو ساعة من نهار و لو مكث في قبره ألف سنة { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فاللبث في كتاب الله إلى يوم البعث هو معنى البقاء في البرزخ { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ } المؤمنون (99-101) و يفهم من ذلك صراحة أن الروح لا تعود للجسد الميت إلا يوم البعث.

عذاب واحد لا عذابان

من يقرأ القرآن و يتدبره، و يستعرض الأحاديث الصحيحة يعلم يقينا أن عذاب القبر الذي ورد ذكره في أخبار الأحاد هو نفسه عذاب الآخرة الذي ذكر في القرآن، و هو الذي يقع بعد الحساب الذي يأتي بعد الموت و البعث و أن الناس و الجن يصيرون إلى فريقين. فريق إلى الجنة و فريق إلى النار و لم يرد في القرآن أي ذكر أو إشارة لوجود عذاب قبل ذلك من أي نوع كان فقد تقرر في أكثر من موضع في القرآن الكريم أن الناس إما أحياء و إما أموات و أن ما يتصف به الأحياء يناقض ما يتصف به الأموات و أن الإنسان يحيى مرتين و يموت مرتين و لا ثالثة لهما، { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } فاطر (22) { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } الدخان (56) و معلوم أن الانسان لا يذوق الموت و هو عدم، يل يذوقه مرة واحدة و هو خي في الدنيا. و لأن الحياة الآخرة هي حياة خلود إما في الجنة و إما في الجحيم فمن قال بعذاب في القبر و الحياة البرزخية فقد جعل الحياة و الموت ثلاثا و هذا باطل لكونه يناقض القرآن الكريم.

لا عذاب بعد الموت إلا بعد الحساب و لا حساب إلا بعد البهث يوم القيامة، و لايظلم ربك أحدا

لا جدال أنك لو رأيت شرطيا يمسك برجل متهم بجريمة و يضربه أو يسجنه دونما محاكمة و لا سماع لأقواله و دون إحضار الشهود و دون إثبات تلك التهمة عليه ببينة فسوف تحكم على ذلك الشرطي فورا أنه ظالم لاحتمال أن يكون ذلك المتهم بريئا، و لأن الضرب و التعذيب قبل الحساب ( وقبل صدور حكم قضائي عادل ) ظلم و لا ريب، فهل يمكن أن يعذب الله أحدا قبل أن يحاسبه؟ إن أجبت بنعم فقد حهلت أو كفرت ذلك أن الله تعالى صرح بالنص أنه عادل و أنه لا يظلم أحدا { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } النحل (33) { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } النساء (40) و عليه فمن قال بأن الميت مكلف في قبره أو أنه يسأل و يعذب أو ينعم في قبره فقد وهم و آثر الايمان بالخرافات على الأيمان بكتاب رب العالمين لأن الموت جمود و عدم فالميت لم يعد شيئا يذكر و لم يعد نفسا لأن نفسه قد تفرقت بالموت فصارت روحه في برزخ إلى يوم يبعثون و صار جسده فاقدا الحرارة و الحياة و قد بلي أو في طريقه إلى البلى، و لا يحاسب و لا يجازى إلا بعد البعث، عندما يعود نفسا كما كان في الدنيا و من اعتقد بغير ذلك فقد اعتقد بما يخالف عقيدة الإسلام.

بين الله تعالى أن الدار الدنيا هي دار البلاغ و الامتحان و العمل و أن الدار الآخرة فيها الحساب و الجزاء، و قد وكل الله تعالى بكل مكلف ملائكة يكتبون ما يفعل و ما يقول و أن سجل حياته هذا سوف ينشر أمامه يوم القيامة ليحاسب بموجبه { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا. اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } الإسراء (13-14)

بين الله تعالى أن الموت ( القبر ) برزخ ( حاجز ) يفصل بين الحياة الدنيا و الحياة الآخرة. الحياة الدنيا هي الفترة الزمنية التي يعيشها الإنسان ( على الأرض ) منذ ولادته حتى موته، و هي مدة محدودة فكلمة برزخ يفهم منها أنه حاجز حيادي بين جياتين { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } المؤمنون (99-100 ) فالمدة الزمنية بين الموت و البعث حسب تقدير الميت عند بعثه تساوي يوما أو بعض يوم أو ساعة من نهار { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } الأحقاف (35) { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النحل (20-21) قال تعالى { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } الزمر (30-31) لا حظ " إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " و هو تحديد و تأكيد أن الحساب لا يكون إلا يوم القيامة.

قال تعالى في سورة يس { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ. فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يس ( 48-54) إن هذه الآيات من سورة يس تكفي وحدها لنفي عذاب القبر إذ لو كان أصحاب الأجداث ( القبور ) يعذبون فيها لما قاموا من قبورهم يوم البعث مندهشين، و لما قالوا يا ويلنا من يعثنا من مرقدنا فهم لم يروا الويل بعد، و لم يكونوا أحياء بل كانوا أمواتا راقدين في القبور و لم يشعروا بذلك إلا بعد بعثهم.

أما الأحاديث الصحيحة في عذاب القبر فقد أسيء فهمها حتى صارت تتعارض مع القرآن الكريم، و لو فهمت كما قصد بها لكانت موافقة له لأن عذاب القبر هو عذاب الآخرة و لا شيء غيره.

أما أن الروح لا تعود إلى جسد الميت إلا يوم البعث فدليله من السنة ما رواه أبو هريرة " إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها "

حقا إن الإنسان سوف يموت قبل يوم القيامة، و أن يوم القيامة سوف يبدأ بزلزلة الأرض و زوال الجبال و إخراج الأرض كنوزها، و ذلك بأمر الله تعالى قبل نفخة الصور الأولى أو عندها و يتسائل الناس في هلع و رعب ماذا جرى للأرض

كل إنسان يسأل سوف يعطى الفرصة كاملة ليدافع و يجادل لإنقاذ نفسه من العذاب { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فصلت (19-20)


باختصار شديد، و كا تقولون، لا شيء في الإسلام محكوم بالخرافة. لقد اختلف العلماء منذ القرن الثاني الهجري في مسألة عذاب القبر، خاصة عند انتقالهم لمناقشة التفاصيل غير الموجودة في الأحاديث أصلا، قال أحدهم: عذاب القبر يقع على جسد الميت و قال آخر يقع على جزء من جسده، و قال آخر بل ترد روحه إليه ( أي يحي ) في القبر و لم يجزم البخاري بأنه يقع على الروح كما ادعى آخرون لعدم ثبوت ذلك عنده. بل أقر بوجوده فحسب، و على الرغم من ذلك و على الرغم من كون الروح من أمر الله بالنص و أن لا أحد من البشر يعرف ماهيتها إلا أنه وجد من السابقين و من المعاصرين من يزعم إن الروح هي التي تعذب، و متى؟ في حياة البرزخ، فتأمل يا زميلي هذه الاختلافات و هذا الاضطراب، حتى البرزخ ( مرحلة الموت و الحاجز بين حياتين ) جعلوا فيه حياة.
قبل الدخول في صلب الموضوع لا بد من ملاحظة الأمور التالية:
أولا: أن القبر مرحلة جمود و موت تفصل بين حياتين. الحياة الدنيا و الحياة الآخرة.
ثانيا: أن الموت يعني تفرق عناصر النفس بين روح تبقى في البرزخ حتى قيام الساعة، و حياة تتلاشى، و جسد يبلى.
ثالثا: الروح لا تعود للجسد بعد الموت إلا يوم البعث، قال تعالى في سورة المؤمنون ( و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) لاحظ هنا قوله تعالى " ومن ورائهم " أي أمامهم بعد موتهم و لم يقل أمام أرواحهم برزخ لأن الروح لا تكاد تفارق الجسد عند الموت حتى تعود إليه عند البعث.

رابعا: أن البرزخ حاجز معنوي مهما طال زمانه فهو عند الميت متجمد الزمن و لا يساوي أكثر من يوم أو بعض يوم بل هو أقرب إلى الصفر، فالميت لا يحس بالزمن، الموت و البعث عنده كغفوة ثم صحوة مدتها الزمنية ساعة من نهار و لو بقي في قبره آلاف السنين قبل يوم البعث.

خامسا: أن الله قد بين مراحل حياة الإنسان في الكون فجعل للمرء حياة على الأرض عدد سنين يختبره فيها بعد أن بين له طريق الخير و طريق الشر و لن يعذب أحد حتى يقيم عليه الحجة.

سادسا: أن العقل لا يقبل و لا يقر بوجود عذاب يقع على جسد ميت فاقد للحس و الشعور لأن العذاب إحساس بالألم ينتقل الشعور به عن طريق أطراف الأعصاب المنتشرة في طبقة الجلد، فإذا زال الجلد فقد الإحساس و عذاب جهنم مستمر لا يتوقف و لا يفتر و لا بد أن يكون الإنسان حيا ليذوق ألمه

سابع: أن القول بتعذيب الميت و شعوره بالعذاب مناقض للسنن الكونية، و مخالف للواقع المشاهد المحسوس.

ثامنا: أن القول بعذاب القبر بمعنى تعذيب الميت أثناء موته لا يتفق مع معنى الآيات و الأحاديث الصحيحة التي يفهم منها أن الله تعالى سوف يضاعف الحسنات لمن يشاء إلى عشرة أضعاف بل إلى سيعمائة ضعف و هذا لن يكون إلا يوم الحساب.

تاسعا: معلوم بنص القرآن أن الكفار سوف ترتسم على وجوههم الدهشة و يعمهم الخوف يوم بعثهم و خروجهم من القبور{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ 51 قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ 52 إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ 53 فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 54} ترى لو كانوا يعذبون في قبورهم فهل كانوا يقولون ( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ) ألا يدل ذلك على اندهاشهم؟

عاشرا: معلوم أن عذاب القبر لم تنص آية واحدة على وجوده و لو و جدت آية واحدة لناقضت مئات الآيات الأخر التي تنص على عدم وجود عذاب قبل يوم الحساب.

الموت: تتفرق فيه عناصر النفس بخروج الروح من الجسد ثم يبدأ تحلل الجسد بعد موت الحياة فيه فيبرد و يتوقف نبض القلب بعد موت الدماغ أو معه، و ينقطع النفس و يتولى ملك الموت قبض الروح التي لا تموت و يبقى الانسان و روحه في برزخ و لا تعود الروح إلى جسدها إلا يوم البعث و عند نفخة الصور الثانية.
سورة غافر { قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اقنتين فاعترفنا بذنوبنا } { و ما يستوي الأحياء و لا الأموات }

قال تعالى في سورة الكهف { و عرضنا جهنم يومئذ للكفرين عرضا } و في سورة غافر { النار تعرضون عليها غدوا و عشيا }

أما أن الروح لا تعود إلى جسد الميت إلا يوم العث فدليله من السنة ما رواه أبو هريرة قال : إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان بصعدانها و يقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك و على جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل، و إن الكافر إذا خرجت روحه و يقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل. و يفهم من هذا الحديث صراحة أن الأرواح تبقى حية لا تنعم و لا تعذب حتى يوم القيامة ( آخر الأجل )

جاء في تفسير الرازي أن الغدوة و العشية إنما يحصلان في الدنيا أما في القبر فلا وجود لهما.
يقول أبو حامد الغزالي: ثم يهدفهم لغرض العقاب و هو العرض و الحساب فالعقاب هو عذاب الآخرة و هو العرض و الحساب فلا عرض لآل فرعون على النار في القبر و لا وجود للحياة البرزخية إلا للشهداء و هي حياة لا نعلم عنها شيئا.

لقد حسم عذاب القبر و أن المقصود به عذاب ما بعد القبر ( عذاب النار في الآخرة ) بأدلة كثيرة منها:
1.
عدم ذكره في القرآن نهائيا و عدم ذكر أي من متعلقاته بل و نص الآيات التي بفهم منها عدم وجوده بل و نفيه تماما
2.
ورود حديث صحيح يقول فيه النبي " كذبت يهود لا عذاب دون يوم القيامة ".
3.
نفي الخوارج المطلق لعذاب القبر، و نفي بعض المعتزلة له، و عدم قطع كثير من العلماء بوجوده.
4.
ثبوت وجود مصالح لفئة من الناس في تغيير مفهوم عذاب القبر ( في العصر الأموي )
5.
عدل الله تعالى و أنه لا يحابي أمة على حساب أمة، و لا يكيل بمكيالين. لم يرد حديث واحد يقول بتعذيب الجن أثناء الموت.
6.
ورود عدة أحاديث صحيحة سندا تتحدث عن عذاب القبر و عدم ورود حديث واحد يتحدث عن نعيمه، فما معنى ذلك؟
7.
ورود أحاديث صحيحة تدل أغلبها على وجود عذاب واحد بعد الموت ليس غير، تسميه عذاب النار و أخرى تسميه عذاب القبر.
8.
ورود حديث صحيح يدل على أن الأرواح ترسل إلى آخر الأجل بعد الموت مباشرة. أي إلى برزخ
9.
ثبوت قياس فساد قياس الميت على النائم ( و ما يرى في منامه ) لأن النائم حي و ليس الحي كالميت.
10.
أن القول بتعذيب الميت قبل الحساب فيه اتهام للع بالظلم ( تعذيب أي متهم قبل ثبوت التهمة عليه )
11.
نص القرآن على أن العذاب لا يكون إلا بعد الحساب و ثبوت التهمة.
12.
نص القرآن على إقامة الموازين يوم القيامة ( و أن كل انسان سوف يجادل عن نفسه )
13.
نص القرآن على أن الله سوف يحاسبنا بموجب صحائفنا لا بموجب علمه.
14.
حقيقة أن القبر مشاهد محسوس و ليس من الغيب، و أنه بناء ( جماد ) لا يتحرك دون محرك خارجي، أما الميت فيمكن مشاهدة جثته بعد موته، و مشاهدة رفاته ( عظامه و ترابه ) في أي وقت إذا أردنا ذلك.
15.
نص القرآن على أن أهل البرزخ لا يشعرون بمرور الزمن، و أن أحدهم عندما يبعث يظن أنه لم يمض عليه في قبره إلا يوما أو بعض يوم فهو لا يشعر بالزمن بتاتا.
16.
نص القرآن على وجود حياتين لا ثالثة لهما
17.
نص القرآن على أن الحي عندما يموت بذوق مرارة الموت، و كذلك أصحاب النار يذوقون عذاب الحريق و لا يكون ذلك إلا إذا كانوا أحياء
18.
نص القرآن على أن الميت إما عدم و إما جماد، أي لا يسمع و لا يحس و لا ينطق و لا يعقل و لا يقوم و لا يتحرك.
19.
تكليف و مخاطبة الأحياء دون الأموات بنص القرآن الكريم.
20.
نص القرآن على أن العذاب ( بعد الموت ) يكون بالنار و في جهنم بالذات لا في مكان آخر، و لا تعذيب إلا بعد البعث، و يوم القيامة محددا.
21.
القول بتعذيب الميت يناقض السنن الكونية و لا يقبله العقل السليم بتاتا.
22.
نص القرآن على خروج الكفار من قبورهم يوم البعث مشدوهين مرعوبين مندهشين جراء بعثهم فيه الدليل على عدم تعذيبهم قبله.
23.
نص القرآن على أن العرض لا يكون إلا يوم القيامة.
24.
ورود أحاديث صحيحة كثيرة تعوذ فيها من عذاب واحد فقط تارة عذاب القبر و تارة عذاب النار.



إثباتات على عذاب القبر

بالتأكيد ستكون الآية الكريمة ( النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب) ( سورة غافر / ءاية 46 ) من الواضح أن الخطاب موجه بالذات إلى فرعون دون غيره من البشر.
فإذا كان هذا فرعون بكفره و عناده لم يعذب بل تعرض عليه النار حتى إذا جاء يوم القيامة قدم إلى العذاب.
و أين هو فرعون الآن، إنه في برزخ.... أليس كذلك؟؟ جسده أمامنا في متاحف مصر و العالم و ليس هناك من عذاب و لا ما يحزنون، إذا أين هو العذاب
كيف يستقيم لك و أنت الرجل المؤمن أن تخالف قول الله أنه يخلق الإنسان مرتان، الأولى عند ولادته و الثانية عند بعثه، فكيف يستقيم لك أنه يوجد بعث ثالث؟؟؟
ألا تؤمن بيوم الحساب؟؟؟ هل لك أن تعرف لنا ما هو يوم الحساب؟؟؟ أليس هو يوم يبعث الناس من قبورهم فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا؟؟ ثم و لأول مرة يفتح الكتاب العظيم الذي دونت فيه أعمالهم فيتم محاسبتهم، أليس كذلك؟؟؟ كيف يستقيم لك أن يحاسب الإنسان على عمله و يعذب و هو بعد لم يذهب إلى القاضي و لم تبدأ محاكمته بعد؟؟
ألا تؤمن بالشفاعة؟ ألا تؤمن بالرحمة؟؟ ألا تعلم أن النار لا يدخلها إنسان وحد الله يوما؟؟ ألا تعلم أن النار لا تدخلها عين بكت من خشية الله؟؟ أنا بكيت ذات يوم في صحن الكعبة المشرفة.... ألا تعتقد أن الله سيضع هذا في ميزان حسابي أم أنه سيأمر الأقرع رأسا ليقرعني ضاربا في عرض الحائط كل ما فعلته في حياتي من حسنات؟
كيف تفسر قول الناس يوم القيامة و هم يقولون ( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ) و تذهل الأم عن ولدها؟ كيف هذا و هم أمضوا الفترة منذ الوفاة و حتى البعث و هم يعذبون فأين الذهول؟ أين فقدانهم لللإحساس بالزمن إذا كانوا أحياء و بالتالي الزمن بالنسبة لهم متصل؟
يا أخي الكريم، ألا تؤمن بأن هذا الجسد ما هو إلا وعاء للروح و بأنه غير مخلد؟ كيف يستفيم لك العذاب في نار مؤججة ملايين الدرجات للحم يحترق بدرجة خمسين أو سبعين، إذا العذاب للروح و ليس للجسد؟
كيف تؤمن بأن هذا الجسد بعد أن تخرج منه الروح يعاد إليه الإحساس بالسمع و البصر و النطق؟؟؟

و أخيرا، لا بد أنك سمعت بالعشرات من الحالات التي اضطرت فيها السلطات الأمنية لفتح قبور فهل مر عليك حالة واحدة تبين فيها آثار العذاب باستثناء حالة التلفيق التي تحدثنا عنها قبل أيام في أحد المواضيع الأخرى؟

أسأل الآن سؤال الختام، ما هو موقفك في حال تعارض القرآن مع السنة؟
و ما موقفك في حال تعارض القرآن و السنة مع المنطق؟؟ انتبه أنا أقول تعارض أي أن القرآن الكريم و السنة الشريفة جاءت لإثبات أمر ما بينما ما لديك من شواهد سواء حسية أم قولية يخالف القرآن و السنة

أكذوبة عذاب القبر وأكاذيب شيوخ الثعبان الأقرع
د. أحمد صبحي منصور

مقدمة

فى1994 صدر كتابي "عذاب القبر والثعبان الأقرع" أنفى فيه عن الإسلام هذه الأكذوبة وأوضح جذورها الفرعونية والتراثية. وأحدث الكتاب صدمة هائلة كما هو المعتاد في كل كتاباتي التي تقض مضاجع شيوخ الثعبان الأقرع الذين يرهبون الناس بعذاب القبر ليفرضوا لأنفسهم جاها ما أنزل الله به من سلطان. إنهم الذين يتعيشون من استمرار الجهل واستقراره متمتعا بالخرافات التراثية التي اكتسبت قداسة زائفة لمجرد أن أحدا من قبل لم يغامر بمناقشتها في ضوء القرآن والمنهج العقلي الاسلامى. ردود الأفعال على ذلك الكتاب وصلت إلى حد استنطاق كل أنواع الشيوخ للرد على كتابي وشتمي, بدءا من شيوخ الأزهر إلى شيوخ الترب والمقابر والأضرحة. وإذا كنت لم استفد كثيرا من ردود الأزهريين لأنني احفظها جيدا من كثرة تكرارها وسذاجتها وضحالتها وبؤسها فانه ـ والحق يقالـ قد استمتعت كثيرا بأقاويل شيوخ الترب والأضرحة الذين فاتهم أن ينسبوا افتراءاتهم عن نعيم القبر وعذابه إلى النبي كما كان أسلافهم من أئمة الفقه وعلم الكلام وشيوخ القصص أو القصاصون أو الحكاؤون ـ يفعلون في العصور الوسطى. استمتعت بأكاذيب شيوخ الترب والأضرحة لأنها أضافت جديدا لم أكن أعرفه عن الخرافات المعاصرة والتي نالها بعض التجديد في عصر الصحوة السلفية المباركة.

من سياق الحملة الصحفية ضدي وقتها وردودي عليها ومن مقتطفات من كتابي سالف الذكر أعددت هذا المقال لأن الثعبان الأقرع لا يزال يعيش في أذهان أولئك المساكين ويخسرون به الدين والدنيا: ـ

هؤلاء الأبرار ـ بالياء وليس بالشين أو الغين ـ و عقائدهم المضحكة:

أولا: لماذا يطلقون على ذلك الثعبان الخرافي وحده وصف الثعبان الأقرع ؟ ولماذا يختص ذلك الثعبان وحده بالقراع ؟.. هل هناك ثعبان أقرع وثعبان أصلع وآخر أجلح ورابع بشعر كثيف..؟

إن كل الثعابين لا توجد شعرة واحدة على رؤوسها.. لكن لم يفكر أحد منهم في هذه المسألة، لأن العادة أن الخرافات حين تستحكم في العقول تعطيها إجازة مفتوحة " وبدون مرتب".

ثانيا: أنهم يقولون إن عذاب القبر والثعبان الأقرع من المعلوم من الدين بالضرورة ـ وبعضهم ينطقها خطأ فيقول " من المعلوم من الدين بالضرورة" ـ وهذا خطا لا نقره أبدا.أبدا.

ونقول: إن تعبير المعلوم من الدين بالضرورة مصطلح أنتجته عصور التقليد والتخلف العلمي منذ منتصف العصر المملوكي خلال القرن الثامن الهجري. وقبل ذلك كان الإجتهاد يصل إلى الاختلاف في كل شيء بين الفرق والمذاهب الفكرية والفلسفية والعقيدية والفقهية.. ثم أغلقوا باب الإجتهاد، وتحول الأئمة المجتهدون والمختلفون في كل شيء إلى أئمة مقدسيالضرورة،اء عصور التخلف منذ منتصف العصر المملوكي وطيلة العصر العثماني، حيث لا يجوز الاعتراض علي الأئمة الأوائل أو مناقشتهم أو نقدهم، وبرزت شائعات علمية كاذبة تبرر هذا الإفك وتشرعه وتحميه مثل " المعلوم من الدين بالضرورة " وأجمعت على ذلك الأمة." والواقع أنه لا يوجد إجماع ولا توجد قائمة محددة متفق عليها بذلك المعلوم من الدين الضرورة ، حيث اختلف الشيعة والسنة والصوفية والفرق الإسلامية والكلامية في كل شيء منذ أن ابتعدوا عن القرآن.. ومن ضمن العقائد المختلف عليها عذاب القبر ونعيمه والعصمة والشفاعة.. وأنصح بقراءة كتاب " مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين " للإمام آبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة في علم الكلام للتأكد من اختلاف أئمة المسلمين في عصر الاجتهاد حتى في داخل المذهب الواحد في كل شيء وحول كل شيء.

ومن هذه القضايا الخلافية وقتها عذاب القبر ونعيمه، و هي في الأصل عقيدة فرعونية عاشت آلاف السنين قبل الإسلام ثم ما لبثت أن رجعت إلى أفئدة المسلمين متخفية في أحاديث نبوية وتفسيرات مختلة للقرآن الكريم جاء بها التيار السني الفقهي والكلامي ـ نسبة إلى علم الكلام ـ شأن كل ما جاءوا به مما يخالف الدين الحنيف.وقد رد عليها المخالفون لها بأدلة عقلية وبقلية. حدث ذلك كله في عصر الاجتهاد العلمي والصراع الفكري بين المعتزلة ـ دعاة التجديد العقلي ـ وأهل السنة الذين يسترون عورة تخلفهم العقلي وعجزهم العلمي بالتمسح بالنبي محمد ونسبة أقوالهم له ولأصحابه حتى تتحصن آراؤهم من النقد. بيد أن المعتزلة لم يعترفوا بذلك الإسناد الكاذب النبي, وبعضهم استخدم نفس الأسلوب في الرد على أهل السنة والكيد لهم ـ كما كان يفعل الشيعةـ حين صنعوا أحاديث"نبوية" ترد على أهل السنة بنفس أسلوبهم. وأنتج هذا الصراع الخائب العاجز الكثير من الأحاديث المتناقضة والتي عكف عليها بعض اللاحقين يحاولون ـ دون جدوى ـ التوفيق بينها.

ثُم جاء عصر التقليد ثم الجمود ثم التخلف حيث انقرض المعتزلة وانقرض معهم الاجتهاد العقلي لتسود الخرافات السنية ـ ومنها الثعبان الأقرع ـ متحصنة بالأحاديث الكاذبة والشائعات السامة من نوعية " المعلوم من الدين بالضرورة ـ وليس الضروطة ـ و أسطورة الإجماع، وكل منهما يحتاج وقفة قادمة إن شاء الله تعالى.

إن مناهج الأزهر التي درسناها أشارت لذلك الخلاف بين الأئمة المجتهدين في قضايا العصمة والشفاعة وعذاب القبر وغيرها ولكن مع التأكيد على نصرة المذهب السني ورؤيته المتخلفة في تلك القضايا.

ومنهجي الفكري والاجتهاد في تلك القضايا الخلافية: أولا: تدبر القرآن الكريم برؤية قرآنية محضة تعتمد على فهم القرآن بالقرآن وتحديد مفاهيم القرآن بالقرآن، وتجميع كل آيات القرآن في الموضوع المبحوث واستطلاع مضمونها بتجرد كامل منزه عن الهوى والأفكار المسبقة بهدف الوصول للحق والاهتداء به ابتغاء مرضاة الله تعالى, مع عدم الاهتمام مطلقا بما يعتقده الناس أو ردود أفعالهم الغاضبة، لأن حق الله تعالى هو الأولى بالنصرة والأتباع. ُثُم بعدها البحث التاريخي والتراثي في جذور الموضوع وتجلياته وأبعاده المعاصرة واللاحقة.

وقد تأكد لي بعد مشوار شاق وطويل من التفرغ للبحث الجاد والمحايد إن كل الاعتقادات المخالفة للقرآن في عذاب القبر ونعيمه وفى تأليه البشر والأنبياء وعصمتهم وشفاعتهم كانت موجودة قبل الإسلام، وقد أشار القرآن إليها ورد عليها، ثم ما لبثت أن عادت تلك العقائد إلى عقول المسلمين عبر تلك الأحاديث الكاذبة المخالفة للقرآن العظيم.

وفى معرض الرد على كتابي و تسفيه أدلته القرآنية والتراثية تحدث بعض شيوخ الترب والمقابر في بعض الصحف عما يعملونه في دفن الميت ولحده.. وذكروا الأسرار الإلهية أو بعضها عما شاهدوه من عذاب القبر والثعبان الأقرع، والميت الذي يتحول إلى جحش، وما شاهدوه من نعيم القبر وما فيه من أنوار وعطور وذكروا أنهم رأوا حساب الملكيين للميت، كما أكدوا أنه يمكن تخفيف العذاب على الميت في قبره بذبح خروف أو عجل كبركة على روح الميت.وجيء لي بهذه الاكتشافات المحلية الثمينة التي نفاخر بها الأمم في عصر ثورة المعلومات والاتصالات. وتعين على مثلي أن يرد على شيوخ الترب والمقابر في هذا العصر البائس. وكان لابد أن أرد..

قلت: الواقع أن العقائد الفرعونية هي الأساس الحقيقي في تدين المصريين حتى الآن من أقباط ومسلمين وهذا ما أثبته في كتابي " شخصية مصر بعد الفتح الإسلامي " الصادر عام 1984 والذي يؤكد على أن الفتح الإسلامي لم يضف شيئاً إلى المضمون الحقيقي لعقائد المصريين وطقوسهم الدينية، مثلما لم تضف المسيحية شيئا لعقائد الأقباط. إذ أن الثوابت الدينية الراسخة في عقائد المصرين منذ العصر الفرعوني تقوم دائماً بتمصير كل الثقافات الوافدة والعقائد الداخلة لمصر، وقد تتسامح في نطقها باللغة الوافدة سواء كانت يونانية أو عربية وتحت أسماء جديدة ولكن بنفس المضامين والأسس الفرعونية القديمة.. وينطبق هذا أكثر على العادات الدينية المرتبطة بالموت ومنها الإعتقاد في عذاب القبر ونعيمه، والذي هو ترديد واضح لما ساد في مصر الفرعونية وانتشر فيها للرافدين خصوصاً الشام، وحين جاء الإسلام ودخل فيه أبناء الأمم التي فتحت منذ القرن الثالث الهجري فإنهم دخلوا في الإسلام بنفس معتقداتهم الثابتة ولكن باللغة العربية، وعززوا هذه العقائد الثابتة في قلوبهم بما تعودوه في عادات الدفن وطقوس التدين، ثم قام الفقهاء السنيون بتأكيد تلك العقائد عبر تأليف الأحاديث ونسبتها زوراً للنبي (ص).

"
ويقول الدكتور صبحي للذين هاجموه": أنكم إذا رجعتم إلى مصادر العصر المملوكي وخصوصا كتب " التصوف " للشعراني وكتب " المناقب الصوفية " التي تتحدث عن زيارة القبور المقدسة مثل كتاب ابن الزيات " الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة " وكتاب السخاوى الصوفي " تحفة الأحباب " وجدتموها تردد نفس العقائد الفرعونية بعد ألوف السنين، ثم اكتشفها علم المصريات بعد قرون حين فكت رموز اللغة الهيروغليفية، وهذا ما ناقشته في كتاب لي لم ينشر بعد عن الصلة بين التصوف المملوكي والديانة الفرعونية. وفى تلك المصادر الصوفية المملوكية كان المؤلفون ينقلون عن" مشايخ الزيارة " الذين كانوا يعملون كمرشدي السياحة في عصرنا، ولكن لسياحة من نوع مختلف. حيث يشرحون لزوار المقابر المتبركين بها معالم القرافة وكرامات أوليائها الموتى و يسترزقون من خدمة الترب المقدسة ونشر الشائعات حولها ومنها الأقاصيص عن عذاب القبر ونعيمه، وكرامات الأولياء الصوفية داخل قبورهم، ولا يختلف ذلك عما قاله أجدادنا المصريون في العصر الفرعوني والعصر القبطي وقبل العصر المملوكي.

ومنذ العصر الأموي استحدث بنو أمية وظيفة الراوي في المسجد أو من كان يسمى بالقصاص ـ بتشديد الصاد ـ، وكان يجلس في المسجد بعد الصلاة للدفاع عن السلطة الأموية وتبرير فظائعها ولكن بصورة غير مباشرة وتحت ستار الوعظ. لذا كان منهج صاحب القصص أن يجذب إليه عقول السامعين بالأساطير والحكايات، وكلما توغل في الكذب ازدادت جماهيريته وازداد تأثيره..ولقد كان العصر الأموي عصر الروايات الشفهية التي تم تدوينها فيما بعد في العصر العباسي منسوبة للنبي بعد إن دخل فيها الكثير من التحريف والتخريف. دونها كثيرون أبرزهم "ابن برزويه " صاحب الانتماء المزدكى والأصل المجوسي، وهو المشهور بيننا بلقب البخاري المتوفى سنة 256.

كانت خرافات الترهيب وعذاب القبر المادة المفضلة للقصاص في العصر الأموي، ثم جاء الفقيه " الأوزاعي " الذي عاصر الخلافتين الأموية والعبّاسية وخدمهما معاً، وكان من أشهر القصاص في الدولتين، وهو الذي اخترع حد الردة وهو أيضاً المصدر الأساسي لخرافات عذاب القبر، وتحولت معظم أقاصيصه إلى مروايات وأحاديث يعززها بأن لها جذوراً فرعونية في عقول الناس من آلاف السنين.

إن بعض أنواع الماعز تعتقد أن الشيطان قد قدم استقالته بعد ظهور الإسلام وبعد موت خاتم الأنبياء وأن أهل البلاد المفتوحة قد دخلوا في الإسلام أفواجا دفعة واحدة وبإيمان عميق لا مجال للشك فيه، وأنه حتى الآن فإيمان أحفادهم المسلمين اليوم هو التطبيق الحرفي المخلص للإسلام الذي كان عليه خاتم النبيين عليهم جميعا السلام. ولذلك تستهجن تلك الماعز أي دعوة لإصلاح المسلمين وتهاجم كل من حاول الإصلاح لأن الذي يجب إصلاحهم ودعوتهم للهداية هم الذين لم تبلغهم الدعوة في مجاهل أفريقيا وأحراش الغابات الاستوائية والصحارى القطبية. وأنواع أخرى من الذئاب ترى أن الهدف الأسمى هو أن يخضع المسلمون لحكمهم طوعا أو كرها لإقامة دولة الخلافة التي تعيد مجد السلف وتواصل الجهاد ضد دار الحرب الصليبية إلى قيام الساعة.

هذه الماعز وتلك الذئاب تحتاج إلى تغييب عقول الناس كي تسرق منهم الوعي والعقل، وبعدها يصبح سهلا امتطاء الضحايا ـ أو المطايا لا فارق هنالك ـ. ولكي تسرق منهم الوعي والعقل ترهبهم باحاديث عذاب القبر وينسبون كل خرافاته للنبي حتى يقطعوا الطريق مقدما على كل من يفكر في النقاش، اذ يكون التحذير جاهزا أنه" لا اجتهاد مع وجود النص" فإذا أصر جاء الإرهاب الفكري يتهم المسكين بأنه ينكر السنة. بذلك الإرهاب المسبق تخضع الجباه لشيوخ الثعبان الأقرع وهم يروعون الناس ويرهبونهم بتلك الخرافات المفزعة. والمحصلة النهائية لتلك الحملات الإرهابية الفكرية أن السامعين الذين استمعوا إليها وآمنوا بها يشعرون شعورا خاصا نحو ذلك الذي أدخل تلك المعتقدات في قلوبهم، يشعرون نحوه بالرهبة والاحترام الزائد فإذا خاض بهم في موضوع ديني آخر ـ مثل تغيير المنكر بالقوة ـ أطاعوه، ثم إذا انتقل بهم بعدها إلى أن الدولة القائمة هي منكر يجب إزالته كان حتما طاعته و إلا فالثعبان الأقرع ينتظر في القبر فاغرا فاه.

من هنا نفهم لماذا التركيز في كتابات السلفيين في التسعينيات على عذاب القبر دون التركيز على النصف الآخر من الأكذوبة وهو " نعيم القبر" لأن الهدف هو الإرهاب الفكري المعنوي والذي يتفوق في خطورته على الإرهاب المادي الدموي. فالمعنوي يقتل العقل والكرامة الإنسانية واحترام الإنسان لذاته وهو الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض وسخر له ما في الكون. وبهذا الإرهاب الفكري اغتالوا جيلا من المساكين أضاعوا عليهم الدنيا والآخرة معا. وسعد بهم الشيطان الذي أوهمهم انه استقال وترك لهم البلاد والعباد باحثا عن عقد عمل مع ثعبان أقرع آخر في المريخ..

من هنا أيضا نفهم ثورة الماعز والذئاب على شخصي الضعيف حين فندت أكذوبة عذاب القبر. وأتذكر صديقا لي علمانيا قرأ كتابي واقتنع به وصارحني إن عذاب القبر كان دائما يخيفه ويؤرق مضجعه وكان سلاحا مؤثرا في أيدي السلفيين, فإذا كان هذا حاله فكيف بالبسطاء من الناس ؟ وكيف بالشباب المتلهف للجديد و التجديد فإذا بهم قد أعدوا له ثعبانهم الأقرع يقف على أعتاب مستقبلهم الواعد ويحوله إلى ماضي غامض.

ونعود إلى بعض أسئلة الصحف وقتها.

لكن هناك أحاديث للرسول (ص) في عذاب القبر ونعيمه فماذا عنها ؟

-
الدكتور صبحي: من يؤمن بهذه الأحاديث فإنه يكفر بالقرآن.. لأنه يستحيل أن تؤمن بالقرآن وتؤمن أيضاً بما يخالفه.

ما أدلتك على أن هذه الأحاديث تناقض القرآن ؟

-
الدكتور صبحي: لأن القرآن يؤكد في أكثر من عشرين آية قرآنية أن النبي (ص) لا يعلم الغيب وليس له أن يتحدث فيه، ولا يدرى ما سيحدث في المستقبل في الدنيا أو عند الموت أو بعده أو في الآخرة، ويكفى في ذلك الآية التاسعة من سورة الأحقاف " قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم " وكذلك الآية 50 من سورة الأنعام " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب " والآية 188 من سورة الأعراف " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " وطالما يؤكد القرآن الكريم أن النبي (ص) لا يعلم الغيب فان المؤمن بدين بالإسلام إذا جاءه حديث كاذب ينسب للنبي الكلام في الغيبيات فان واجبه يحتم عليه تبرئة النبي (ص) منه.. وأحاديث عذاب القبر والشفاعة وأحوال الآخرة كلها ضمن تلك الخرافات المخالفة للقرآن والتي يجب أن نبرئ منها الرسول (ص).

لكن هناك آيات يستشهد بها بالقرآن عن عذاب فرعون " النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب "

-
الدكتور صبحي: لا شأن للآية الكريمة بعذاب القبر، فالقرآن هنا يتحدث عن البرزخ وليس عن القبر، والآية القرآنية تشير إلى عذاب فرعون في البرزخ إلى قيام الساعة, ولنا أن نتخيله في البرزخ وهو يعانى فيه العذاب بينما يرى ما انعم الله تعالى به على المستضعفين من بنى إسرائيل، وهكذا معنى قوله تعالى في قصة موسى وفرعون " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم.. " إلى أن يقول الله تعالى عن بنى إسرائيل " ونمكن لهم في الأرض، ونرى فرعون وهامان وجنودها منهم ما كانوا يحذرون " القصص 4: 6.

فقد كان فرعون في طغيانه يضطهد بنى إسرائيل خشية منهم، وحدث ما كان يحذر منه وتم تمكين الله تعالى لبنى إسرائيل بعد غرق فرعون مصداقاً لقوله تعالى " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم " إلى أن يقول تعالى عن بنى إسرائيل " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا، ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " الأعراف 136: 137 إذن فالتدمير لما كان يصنع فرعون والتمكين لبنى إسرائيل حدث بعد غرق فرعون.. إذن فكيف يرى فرعون ذلك بعد غرقه..؟ لأن فرعون وآله كانوا ولا يزالون في البرزخ يعيشون في عذاب إلى أن تقوم الساعة. ثم سيأتي أشد العذاب يوم القيامة بعد سوء العذاب في البرزخ، مصداقاً لقوله تعالى عنهم " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب " غافر 46.

ماذا تقول عن حساب الملكيين.. هل ستنفيهما أيضاً ؟

إذا لم يكن هناك عذاب أو نعيم في القبر فلماذا يكون في الأصل حساب أو استجواب في القبر؟ وإذا كان الحساب سيأتي يوم القيامة أمام الله تعالى يوم الحساب حيث البعث والحشر والعرض واللقاء والميزان فان هول ذلك اليوم وتفصيلاته التي تكررت في القرآن الكريم يجعل من العبث التفكير في حساب سابق له.. فكيف إذا كان ذلك الحساب المزعوم في القبر أسطورة فرعونية في الأصل ترددت في كتاب الموتى واحتفلت بها دراسات علم المصريات التي تختص في بحث تاريخ مصر القديمة ومن يرد المزيد فليقرأ كتاب " أرمان " عن ديانة مصر القديمة.. فسيرى إننا نكرر ما قاله الأجداد وننسبه للنبي العظيم افتراء وكذباً.

ولكن القرآن ذكر أيضا نعيم الشهداء بعد الموت.

هنا أدعو الشيوخ إلى قراءة ما ذكرته في كتابي. بإيجاز أقول:

ـ عند الموت والاحتضار تبشر الملائكة الفائز، بينما يصرخ الخاسرـ بعد أن يرى الملائكة تبشره بالنارـ يطلب فرصة أخرى ليرجع للدنيا ليعمل صالحا، ويأتيه الرد بالنفي حيث ينتظره البرزخ الذي جئنا منه إلى هذه الدنيا، ثم بعد الموت سنعود إليه ونظل فيه إلى قيام الساعة." حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربى أرجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت. كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ". المؤمنون 99ـ100.

ـ البرزخ منطقة انعدام للزمن، ندخل فيه مؤقتا عند النوم والغيبوبة القصيرة أو الطويلة أثناء هذه الحياة، وحين نرجع منه نقول انه يوم أو بعض يوم. حتى لو كان النائمون هم أهل الكهف "الكهف 19" أو ذلك الذي أماته الله تعالى مائة عام ثم بعثه "البقرة 259". ثم ندخل البرزخ بعد الموت لنبقى فيه بلا إحساس بالزمن إلى أن تقوم الساعة. عندها سيقول المجرمون مندهشين إنهم لبثوا فقط يوما أو بعض يوم: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون، وقال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. الروم 55 ـ 56".لو كان هناك عذاب في القبر لأولئك المجرمين لأحسوا بالزمن ثقيلا وبطيئا بما يعادل ملايين السنين. لكن البرزخ مر عليهم وعلى غيرهم مثل نوم أحدنا في هذه الدنيا. هذه هي القاعدة ولكن لها في القرآن الكريم استثناءات محددة ، هي تعذيب فرعون وآله في البرزخ ، وتعذيب كفرة قوم نوح ، ونعيم أولئك الذين قتلوا في سبيل الله تعالى.

التفاصيل كاملة فى كتابى سالف الذكر عن تلك الاستثناءات ، ولكن المهم أن ذلك لا علاقة له أبدا بعذاب القبر أو بنعيمه لأنه يحدث فى البرزخ وليس فى القبر، بل ان فرعون مات غريقا بلا قبر وذكر الله تعالى كيف نجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية. "يونس92". اذن فالتعذيب الذى يلقاه الآن متعلق بنفسه وليس جسده. ولا تقل "روحه" لأن الروح فى لغة القرآن ومصطلحاته هو جبريل ، وتلك قصة أخرى. ونفس الحال مع الذين قتلوا فى سبيل الله تعالى ـ اللهم اجعلنى منهم ـ حيث ذكر الله تعالى نعيمهم عند ربهم يرزقون، وليس في القبور. وأيضا لا تقل هنا الشهداء ولكن قل " الذين قتلوا فى سبيل الله" لأن مصطلح الشهداء فى لغة القرآن هو عن الدعاة للحق المناضلين فى سبيله والذين سيأتون يوم القيامة ليشهدوا شهادة خصومة على أقوامهم ـ اللهم اجعلنى منهم ـ ولتراجع القرآن لتتأكد من هذا.

لم يجد شيوخ الأزهر وقتها ما يردون به على كتابى فاضطرتهم الحاجة الغلابة الى اللجوء الى تقرير منحط وضعته اللجنة المكلفة بتبريرعزلى من الجامعة الأزهرية سنة 1987.ونشروا فقرات من هذا التقرير فى منتصف التسعينيات، تتهمنى ـ اثما وعدوانا وبهتانا ـ بأننى أنكر أن يكون محمد خاتم النبيين. ونسوا أن مثلى لا يخشى أحدا من الناس ولا يتردد فى اعلان ما يؤمن به، وتاريخى معهم خير شاهد على ذلك حيث لم أخش تحطيم كل أصنامهم الفكرية وابقارهم المقدسة وتابوهاتهم المحرمة. بل كنت أتحداهم فأقرره على الطلبة فى الجامعة، ويعلم الله ـ وكفى به عليما ـ أنه لو شككت لحظة فى كون محمد عليه السلام خاتم النبيين لأعلنت ذلك دون أدنى تردد. ولكن كيف يقول ذلك من وهب حياته دفاعا عن كتاب الله تعالى وتبرئة لخاتم النبيين مما افتراه عليه اعداؤه من أحاديث كاذبة بعد موته بقرون.

سؤال أخير لماذا فصلت من الأزهر ؟ هل لإنكارك السنة ؟ وما قولك في الإتهامات التي وجهها إليك تقرير اللجنة الثلاثية سنة 1987من أنك تدافع عن مسيلمة الكذاب، وقولك " انتهى الوحي نزولاً ثم مات الرسول الخاتم ونحن لا نعرف إلى أي حد طبق الرسول الخاتم أوامر ربه ولا نعرف إلى أي حد تحددت درجته بين الأنبياء," وقولك :" أما آن لنا أن ندع عبارات تعارفنا عليها ما انزل الله بها من سلطان مثل قولنا عن رسولنا : أشرف المرسلين ، سيد المرسلين..؟

-
يقول الدكتور صبحى : هذه مجموعة أسئلة وليست سؤالاً واحداً لكن سأجيب عليها بالوثائق وباختصار.. أولاً الاجتهاد الذي قمت به أثناء عملي في جامعة الأزهر مدرساً مساعداً1977ـ 1980 لا يختلف عن الآراء السابقة في هذا التحقيق ، وهذا الاجتهاد جاء تطبيقاً لقانون الأزهر نفسه الذي يوجب على عضو هيئة التدريس الاجتهاد في حقائق الإسلام ، وهذا الاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام يعنى الإتيان بالجديد معززاً بالدليل ومخالفاً للمألوف وما وجدنا عليه آباءنا ، ولكن كوفئت على هذا الاجتهاد غير المسبوق بالتعطيل في مناقشة رسالة الدكتوارة لمدة ثلاث سنوات إلى أن قمت بحذف ثلثى الرسالة, وحصلت على الدكتوراة سنة 1980 بعد أن أكدت تناقض التصوف مع دين الاسلام. وبعدها كان لزاما على أن أبحث التراث السنى الذى كنت أنتمى اليه وقتها محاولا اصلاحه من داخله، وفى سنة1985 أصدرت خمسة كتب دفعة واحدة قررتها على طلابى فى جامعة الأزهر, وكنت اعدها أيضا للحصول على الترقية لدرجة أستاذ مساعد ، وكانت العادة أن كتابا واحدا يكفى للترقية التى كان موعدها عام 1985. وكانت المكافأة الكبرى هى وقفي عن العمل وإحالتي للتحقيق ومنعي من الترقية والسفر ، وبعد التحقيق جاءت التوصية بإحالتي لمجلس التأديب متهماًـ ليس بإنكار السنة ـ ولكن بإنكار الشفاعة العظمى والعصمة المطلقة للنبي وإنكار تفضيله على الأنبياء السابقين ، وكان واضحاً أنهم الخصوم والقضاة في نفس الوقت ، يملكون الجاه ولا يملكون الحجة والبرهان ، ومن هنا استخدموا كل ما يستطيعون للضغط على لأتراجع عن آرائي بالتهديد والوعيد.. ورفضت وجبنوا عن إصدار قرار بالإدانة واختاروا أسلوباً أشد مكراً ، فالقانون يقول ( المحال إلى التأديب إذا مر عليه عام بدون إدانة فان الاتهام يسقط ) ولذلك فانهم قبل أن ينتهي العام أعادوا نفس الاتهام لكي أظل محروماً من العمل ومن مستحقاتى المالية ومن الترقية ومن السفر إلى أن استجيب وأوافقهم.. وكان من الممكن أن أوافقهم خصوصاً وهم يملكون المنح والمنع وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ،ولكن قدمت استقالتي المسببة فرفضوا قبولها وفزعوا منها ، فرفعت ضدهم دعوى في مجلس الدولة لإلزامهم بقبول الاستقالة واعتبرت نفسي مستقيلاً من هذه الجامعة. وجاءهم الإنذار من مجلس الدولة فاضطروا لإرسال خطاب لي يفيد بأن الإستقالة التي قدمتها سيناقشها مجلس الجامعة ، وحين أوشك مجلس الدولة على إصدار حكم في قضيتي بادروا هم بإصدار قرار بالعزل لمن قدم استقالة من قبل ترفعا بنفسه وعلمه من ان يكون فى موضع يتحكم فيه أعداؤه الذين هم أقل منه علما وخلقا.

إن قرارهم المزعوم بالعزل جاء ـ وقتها ـ مدعماً بذلك التقريرالذى ينضح حقداً على باحث شاب يحترم نفسه ودينه وعقله ، لذلك تناثرت في هذا التقرير إتهامات أخرى لم تأت أصلاً في قرار الإتهام ، وحفل ذلك التقرير باصطياد أخطاء مفتعلة الهدف منها التكفير ، ومنها على سبيل المثال إنني في كتابي " العالم الإسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين " كتبت أرصد الفجوة بين عقائد المسلمين في عصر قوة الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين وبين عقائد المسلمين في العصر المملوكى حين سيطر عليها التصوف ، فعرضت مقارنة بين مسيلمة الكذاب الذي جعلوه كاذباً لمجرد إدعائه النبوة مع إيمانه بخاتم النبيين وبين الشيخ إبراهيم الدسوقى في العصر المملوكى الذي ادعى الألوهية في كتابة المشهور ( الجوهرة ) وهو كتاب منشور ومطبوع ويباع على أسوار الأزهر ، وقارنت ساخراً بين{ الشيخ مسيلمة الكذاب} و{الشيخ إبراهيم الدسوقى} الذي ادعى الألوهية وحظي بالتقديس ولا يزال مقدساً لدى الأزهريين حتى اليوم مع ادعائه الألوهية. هذا ما فعلته في رصد الفجوة التاريخية في ذلك الكتاب بين تدين المسلمين في عصر الخلفاء الراشدين وتدينهم في عصور التصوف والخرافة, معززا بالأدلة. فماذا فعلت اللجنة الموقرة التى كانت الخصم والحكم.؟ استخلصوا مما كتبته إنني أدافع عن مسيلمة الكذاب وألمحوا إلى إنني أسانده في ادعائه للنبوة لأني أقول عليه الشيخ مسيلمة ،وأسسوا على ذلك اتهاما آخر بأننى أنكر أن يكون محمد خاتم الأنبياء ، وتناسوا تماماً قصة إبراهيم الدسوقى والهدف منها.. ثم ناقضوا أنفسهم في نفس التقرير حين استشهدوا بنص أصف فيه النبى (ص) بأنه " الرسول الخاتم " أي خاتم الأنبياء المرسلين وهذا هو الوصف الذي التزمت به في كتاب " الأنبياء في القرآن " ومع ذلك يجرأون على اتهامي بإنكار أن يكون محمد عليه السلام خاتم النبيين.

وبنفس الطريقة اقتطعوا من السياق عبارة لى تقول: " ثم انتهى الوحي نزولاً ، ثم مات النبي الرسول الخاتم ونحن لا نعرف إلى أي حد طبق الرسول الخاتم أوامر ربه ولا نعرف إلى أي حد تحددت درجته بين الأنبياء".. وبعدها عبارة أغفلوها تتحدث عن النبي الخاتم{ قد يكون قد سبقه فى الفضل آخرون من الأنبياء وقد يكون قد تفوق على آخرين من الأنبياء السابقين. علم ذلك عند الله تعالى وحده، وليس لنا أن نحكم فيه فنحن أقل شأنا من الأنبياء المكرمين ولا يجوز لنا أن نحكم ـ غيبا ـ عن الأفضل من بينهم، فذلك لله تعالى وحده, وعلينا أن نؤمن بهم جميعا دون أن نفرق بين أحد منهم كما تكررت لنا الأوامر مرتين فىسور البقرة ومرة فىسورتى آل عمران والنساء.} أغفلوا ذلك كله ثم بعدها جاءوا بعبارة {" أما آن لنا أن ندع عبارات تعارفنا عليها ما انزل الله بها من سلطان مثل قولنا عن رسولنا : أشرف المرسلين ، سيد المرسلين }" وأغفلوا العبارة التي بعدها التي تؤكد أن كل الأنبياء أشرف البشر وأنهم جميعاً عباد الله المصطفون ولا سيد لهم إلا الله تعالى.

تركوا ذلك كله واتهموني بإنكار أفضلية النبي مع إنني توقفت في الحكم فيها ، ولم أقل بها ولم أدع إليها ولم أنكرها وإنما قلت أن الذي يفاضل بين الأنبياء إنما يجعل نفسه حكماً عليهم ويضع نفسه فوقهم جميعاً وتلك منزلة المولى سبحانه وتعالى وحده. وكل ما استفادوه من تلك العبارة هى إتهامهم لي بأنني أشكك في تبليغ النبي للرسالة مع أن العبارة تقول " ثم انتهى الوحي نزولاً ثم مات النبي الرسول الخاتم " وكتاب الأنبياء لا يخلو سطر فيه من آية قرآنية أو تعليق عليها ، وتمسكى بالقرآن والأحتجاج به أكبر دليل على ايمانى بأن خاتم النبيين قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ولكن يكفى اننى كنت أقول " قال الله تعالى " وهم يردون على ب : قال " النووي " وقال فلان.. وفى النهاية أقول لهم ودائماً " اعملوا على مكانتكم انا عاملون وانتظروا انا منتظرون."

,
لكن بماذا تفسر كل هذا الهجوم عليك بالذات من الشيوخ مع أن أدلتك من القرآن ودفاعك عن الاسلام ، و هناك آخرون من العلمانيين يهاجمونك أيضا قائلين أنك من نفس فصيلة الشيوخ. أن الفريقين قد اتفقا على شىء وحيد هو الهجوم عليك. ماذا تفسر هذا الموقف الغريب ؟

أولا: انا أعتز بصداقتى لأخوانى المثقفين العلمانيين ، واحترم حق الجميع فى حرية الفكر والاعتقاد لأن حرية الفكر والعقيدة فى الاسلام بلا حدود ولا قيود وكل انسان مسئول عن اختياره الدينى والعقيدى امام الله تعالى فقط يوم القيامة.

ثانيا: اشهد بأن حقائق الاسلام ـ المنسية والمغيبة عمدا والتى أجاهد فى سبيل اظهارها ـ هى نفسها القيم الانسانية العليا من الحرية والعدل والتسامح والسلام والرحمة وحقوق الانسان ، وهى أيضا نفس القيم العليا للعلمانية الشريفة. هما معا ـ الاسلام الحق والعلمانية الفاضلة ـ ضد الكهنوت الدينى والسياسى و الطغيان والظلم والاستبداد والاضطهاد الدينى والعنصرى والاستعلاء والاستغلال. لذلك فنحن فى نفس المعسكر نواجه نفس العدو فى حرب سلمية فكرية عقلية. قد تختلف أنواع الذخيرة ،فذخيرتى أو أدلتى من القرآن والثراث وهم لهم أدلتهم الأخرى ، وهذا وارد بل مطلوب. ولكن بعض العلمانيين المتطرفين لا يرى ذلك كرها فى الاسلام ذاته. وهذا اختياره ونحن نحترم حق الجميع فيما يختارونه لنفسهم ومستقبلهم يوم القيامة ، يسرى ذلك على كل انسان طالما لم يرغم الآخرين فى الدين والفكر والمعتقد.

ثالثا " اننى افخر بصداقتى لرواد العلمانية المناضلين فى سبيل الحرية وحقوق الانسان ، وأعتبر عملى معهم جهادا فى سبيل الله تعالى ، انه الفريضة الغائبة حقا ، ذلك الجهاد السلمى الذى ينشد الاصلاح على طريق الانبياء والمرسلين وضد الحكام الطغاة و سفاكى الدماء البريئة ومحترفى التجارة بالدين والدجالين من شيوخ الثعبان الاقرع.

رابعا " خصومتى مع شيوخ الثعبان الأقرع ليست خصومة شخصية وانما هو الصراع بين تيارين مختلفين فى الدين والفكر. الاختلاف الفكرى بيننا هو استمرار للصراع بين المجددين والمقلدين ، وهو صراع ممتد فى تاريخ الحركة الفكرية للمسلمين ، بدأ فى مطلعها بين مدرسة الرأى التى أسسها أبو حنيفة ومدرسة الحديث التى أسسها مالك ولم تنته بالصراع حول تحديث الآزهر الذى قاده محمد عبده ووقف ضده الشيخ عليش وامثاله فى أوائل القرن الماضى.

اذن الصراع الفكرى موجود بل ومطلوب. بيد ان المشكلة أن هذا الصراع يثمروينتج ايجابيا حين يكون المناخ صحيا والمستوى الفكرى مزدهرا كما كان الحال عليه فى عصر الازدهار الفكرى للعصر العباسى الأول. عندها ينحصر الخلاف فى الرأى فقط دون المساس بالاشخاص المختلفين ، أى بدون تكفير أو تحقير أو تخوين. عندها تتردد عبارات ذهبية من نوعية " كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب". و" من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر " " كل بنى آدم خطاءون ، وخير الخطائين التوابون" " كل منا يؤخذ منه ويرد عليه ".

ويسوء الخلاف الفكرى ويتحول الى تكفير وتخوين وتجريح للمخالف فى الرأى واضطهاد له ودعوة الى قتله وملاحقته حين يتسيد الحركة الفكرية والدينية الشيوخ الراقصون فى مواكب السلطان الخادمون للأمراء والحكام المتلاعبون بعقول العوام ، او باختصار " شيوخ الثعبان الأقرع ". ليس لديهم العلم ولا الخلق ولا الحجة ولا البرهان. وحتى لو أرادوا فليس لديهم الوقت اذ وهبوا وقتهم للنفاق والمواكب واكل أموال الناس بالباطل والضحك على الذقون. وحتى اذا تفرغ أحدهم للبحث فليس لديه موهبة البحث وملكة الابداع التى تولد منذ الصغر وتدفع صاحبها من بداية حياته للتفرغ والاستغراق فى مجال بحثه ينام به ويصحو عليه ، ويعطيه التفرغ للبحث والدرس والقراءة والتفكر اعتدادا بالنفس لا يمكن معه أن يحنى رأسه لحاكم نصاب أو قصاب. ولأن شيوخ الثعبان الأقرع ليس من مناقبهم المباركة الاجتهاد فى أمور التدين بما ينفع الناس فالحل المتاح لديهم هو الأخذ عن فتاوى السابقين وفرضها على عصرنا. واذا كان مستحيلا بعث الائمة الموتى من القبورليعيشوا عصرنا فانه ليس صعبا ان يرجعوا بنا وبعصرنا ـ عصر التقدم العلمى المذهل ـ الى عصور القرون الوسطى المظلم منها أوالمضىء حسب التساهيل.

فماذا اذا رفض الناس العودة للماضى وتمسكوا بحقهم فى أن يعيشوا عصرهم بفكر اسلامى جديد قائلين ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان ؟ الجواب : نقدم لهم الماضى فى صورة وردية فقط ومحصنة باحاديث نبوية من انكرها او ناقشها كان كافرا.

فماذا اذا أصر بعض الناس على النقاش واكثروا من السؤال واقلقوا منا راحة البال ؟ الجواب : نسلط عليهم عذاب القبر ونطلق عليهم الثعبان الأقرع.

فماذا اذا خرج علينا ذلك الأزهرى المتمرد وكشف لعبة الثعبان الأقرع ؟ الجواب..

الجواب : اذا أردت الجواب فاقرأ هذا الموضوع من أوله

ليست هناك تعليقات: